الأحد، يونيو 09، 2013

سوريا والجماعات المسلحة



عبدالرحمن الحسيني

كم كنت أتمنى أن تنتهي ثورة سوريا بلا سلاح .. لكن أمر الله نفذ وتسلحت الثورة في مواجهة السفاح الذي تخطى الأعراف والمعتقدات بل وحتى مواثيق حقوق الإنسان .. ثم تمنيت أن يظل السلاح سوريًا بلا تدخل أجنبي .. فظهر الدعم الفج من إيران وروسيا (وأمريكا من وراء ستار)  بامداد بشار بالسلاح .. ثم الدعم الخليجي (والأمريكي من وراء ستار) بامداد الثوار بالسلاح  ..
تمنيت بعدها أن يكون السلاح بأيدي السوريين فقط ولو تعددت مصادره ، فقدر الله تدويل الثورة ، فمقاتلون أجانب بجانب الثوار ومقاتلون أجانب بجوار بشار .. ولا أدري حقيقة وليس عندي دليل على من بدأ بدخول مقاتلين غير سوريين إلى أرض المعركة ..
ثم تمنيت أن يندرج الجميع تحت قيادة المسلحون السوريين (الجيش السوري الحر) فكان التطور الأخطر .. أن أصبحت فصائل وكتائب من شتى البلدان وقيادات مختلفة التوجهات .. البعض يدعمه الخليج .. والبعض تدعمه أمريكا (مع دعم بشار سريا لضمان استمرار القتال) وتنظيم القاعدة و طوائف دينية وعرقية سورية مختلفة ..

المشكلة الكبرى في هذا التطور هي مرحلة مابعد بشار .. فبالنظر إلى تجارب الدول التي تحررت بفصائل مسلحة مختلفة القيادات ومختلفة التوجهات وخاصة لو كان بالأمر أجانب تعودوا الترحال للحرب بجوار المظلوم أو بجوار من يدعمون كالقاعدة مثلا .. أنه حين ينتهي الهدف المشترك سيتفرغ كل لهدفه الخاص .. هؤلاء وخاصة المدعومون من دول وحكومات أو تنظيم القاعدة لن يتركوا سوريا ليختار السوريون النظام الذي يحكمهم بل سيعينون أنفسهم أوصياء على اختيارت الشعب بحجة أنهم هم من أنهو حكم الظالم  ( تنظيم القاعدة بدأ بالفعل بتأسيس دولة الشام الإسلامية بقيادة أبو محمد الجولاني) .. بل حتى شبيحة بشار والحرس الثوري الإيراني وحزب الله .. لن يهدأوا بانتهاء بشار .. فمهمتهم ليست بشار بل هي المصالح المشتركة الممتدة من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان .. فسيحاولون الحفاظ عليها ولو بنظام غير شيعي يضمنون معه عدم الإضرار بهذه المصلحة ...

فبنظرة لأفغانستان بعد الاتحاد السوفيتي .. أصبحت أرضا خصبة للفتن والنزاعات .. وكل طرف يستقوي بمن يستطيع ليستولي على السلطة .. فحركة تدعمها باكستان .. وأخرى تدعمها إيران .. و طالبان تستعين بالقاعدة .. والقاعدة تعلن بسذاجة عن مسئوليتها عن تفجيرات  سبتمبر الذي يعرف الكثيرين أنها عملية مخابراتية .. فتتسبب بدمار فوق الدمار في أفغانستان ..
و العراق .. فحتى بعد خروج المحتل الأمريكي .. مازالت الفتن تدور بين شيعة وسنة وأكراد .. والقاعدة أسست دولة العراق الإسلامية وتريد فرضها على العراقيين .. وإيران تدعم ميليشيات الصدر .. والأكراد بمليشياتهم (البشمركة) لهم حلمهم وبرنامجهم .. فلا استقرار لسياسي سواء جاء بالانتخابات أو بتعيين الأمريكان أو حتى باختيار القاعدة ... فكل فصيل لن يرضى إلا بمن يمثله ويمثل برنامجه ..

وبالعودة للوراء فلبنان إبان الاحتلال كان بها فصائل مقاومة مسلحة كثيرة (حزب الله وحركة أمل وبعض الفصائل الفلسطينية) ... بعد خروج الاحتلال .. أصر كل على الاحتفاظ بسلاحه وخياراته في كيفية وهدف استخدامه فحزب الله مثلا يستخدم سلاحه دون اذن من الدولة التي ينتمي إليها تارة على شمال إسرائيل وتارة في القصير بل وأحيانا كثيرة في الداخل اللبناني نفسه ..
بل حتى ليبيا .. فرغم التدخل الأجنبي البسيط على الأرض (المقاتلين) وتوحدهم تحت جبهة واحدة .. فالسلاح بيد القبائل أصبح لعبة يضغطون بها لتحقيق أهداف معينة .. فهذا يضرب السفارة بالمدافع .. وهذا يضرب مركز للشرطة بالآربي جي ... الخ

المشكلة أن كل الأطراف تريد أن تحرف الربيع العربي إلى ما تريده لا إلى ما تريد الشعوب .. فأمريكا تريد نظامًا مهادنًا لاسرائيل يبقي وضع الجولان كما هو عليه ويؤمن إسرائيل من الجبهة السورية وبالتأكيد ستجد في المعارضة من يفعل ذلك .. والخليج يريد ربيعا هادئًا لا يحدث تغييرا جذرية في السياسات خاصة في مسالة تداول السلطة .. وإيران وحزب الله يحرصون على اتصال القوس الموالي لإيران (السياسي بالمقام الأول) حتى لا يفقد حزب الله وبالتالي إيران ميزتها في وجود تسليح شمال إسرائيل .. وأيضا امتدادها داخل البلاد العربية (الخليج خاصة) التي تريد أن تحتفظ عليه بفارق قوة استراتيجية وجغرافية بجانب القوة العسكرية ...

الخلاصة أن خطرا كبيرا ينتظر سوريا فور انتهاء الحرب وعلى الجميع أن يكونوا على قدر المسئولية من الآن .. فوجود مسلحين من أي طرف في سوريا بعد الحرب لابد أن يوقف له بالمرصاد .. وياحبذا لو استطاعت الفصائل المسلحة كلها توحيد قيادتها ولو السياسية ليكون سحب السلاح من المقاتلين أسهل بعد الحرب ..

نعم الأولوية الآن لدعم أي جهد يخلص سوريا من السفاح الحاكم .. لكن على الجميع أن يعي أن مهمة غير السوريين في سوريا تنتهي عند الحسم .. وأن الشعب السوري هو فقط من يقرر من يحكمه بعد ذلك .. 

ليست هناك تعليقات: