الاثنين، يونيو 10، 2013

احتجاجات تركيا – صراع على الهوية الثقافية




عبدالرحمن الحسيني

قادتني أقدامي لأول مرة منذ بدء الاحتجاجات لأتجول في ميدان تقسيم وسط المحتجين (على ازالة الحديقة كما يدعون) .. الذي يلفت انتباهك عندما تدخل الميدان (وسط أعمال البناء والإصلاحات التي توقفت) ليس علم تركيا وليس شعارات يرفعها المحتجون .. فقط صور الهالك أتاتورك تملأ الميدان .. وزجاجات الخمر التي تملأ جنبات الميدان مع الباعة الجائلين وملقاة فارغة بجوار الأرصفة .. حتى أن بعضهم يكتب اسم تركيا بزجاجات الخمر .. الباعة هناك لا يبيعون المياه أو العصائر إلا فيما ندر .. فقط الأطعمة والخمر ..


الاحتجاجات هناك ليست من أجل إزالة الأشجار ولا الحفاظ على البيئة .. وإلا لما رأيت القمامة يعج بها الميدان (وهو أمر غريب على اسطنبول النظيفة) ولا رأيت آثار الحرائق التي أشعلوها في مبان تحت الإنشاء ... ولا اللافتات الممزقة لبلدية اسطنبول حول الميدان .. ليس الأمر أيضا قانون تنظيم بيع الخمور .. ولا هو مطار جديد ولا جسر جديد ... كلها أمور في الواجهة تخفي شيئًا واحدًا .. يريدون تركيا علمانية كما أسسها أتاتورك 

ليس مهما أن أردوغان زرع أكثر من مليون ونصف شجرة في فترة ولايته لاسطنبول ... ولا مهما أنه هو من أدخل الغاز للمنازل بعد أن كانت سماؤها تسجل أعلى نسبة تلوث في الشتاء بسبب التدفئة بالخشب والفحم .. ولا مهما أنه يبني مزيدا من الجسور ويمهد مزيدا من الطرق للمدينة التي يعيش بها ربع سكان تركيا ... ولا مهما الانجازات الكبرى التي حققها والتي لم يحققها أحد منذ أتاتورك إلى ماقبل أردوغان .. كل هذا ليس مهما لدى المعارضة .. المهم لا تحيي التراث العثماني يكفيك مساجد آل عثمان وقبورهم في فاتح ..
الأمر باختصار .. صراع على هوية تركيا الثقافية .. هل هي أتاتوركية أم تنتمي للحضارة الإسلامية ويجب أن تعود لأحضانها ..

 بالمناسبة .. الهوية الثقافية للدولة تختلف عن اختيار كل فرد في المجتمع لثقافته ومايريد .. فتركيا لا يمكن ولا تسعى الحكومة أن تمنع أو تفرض لباسا معينا ولا منع شرب الخمر ولا حتى الإتجار فيه .. لأنها أمور توارثتها أجيال من أجيال .. أجيال وأزمان طويلة كان حكامها قبلتهم الثقافية نحو أوروبا .. فإعلامهم أوروبي ولغتهم تكتب باللاتينية .. وكان أي مظهر للثقافة الإسلامية أو العربية ممنوع .. وحتى الأذان كانوا لايسمعونه فلا فرق عندهم بين وقت صلاة وغير صلاة ...

اليوم الأمور تسير في اتجاه انتشار الثقافة الإسلامية .. فالأذان تسمعه كل صلاة والمساجد ممتلئة (على الأقل في الأماكن الذي تواجدت فيها ) .. والملابس المحتشمة تنتشر بشكل ما .. كل شيء يسير هكذا نحو الثقافة الاسلامية دون ضغوط حكومية على الشعب .. فقط فكت الحكومة القيود العلمانية على الحجاب وعلى المساجد وعلى الثقافة الإسلامية .. فسار الشعب نحو الثقافة الاسلامية .. وهو ما أزعج أنصار أتاتورك فانتفضوا يعبرون عن رفضهم لحكومة أردوغان

المهم أنه عندما تسألهم هل تمثلون الشعب هل تمثلون أغلبية .. يعترفون أن أردوغان أعلى شعبية .. لكنهم يريدون وصاية كالتي كان يمارسها القضاء والجيش قبل أردوغان .. وصاية تحمي شكل الدولة كما يقولون من التغيير .. حتى لو أراد أغلبية الشعب ذلك ..

ليست هناك تعليقات: