السبت، ديسمبر 17، 2011

المجلس العسكري والثورة


بقلم عبدالرحمن الحسيني

هذه تدوينة قد تكون الأطول منذ أن بدأت الكتابة .. حاولت فيها كثيرا أن ألخص لكن التاريخ لا يمكن اختصاره .. هدفي من استرجاع تلك الأحداث هو اثبات عدة أمور غابت أو نحاول كثيرا أن نغيبها عن عقولنا هي :
1- أن المجلس العسكري لم يحمي الثورة وانما انقض عليها وسرقها .
2- المجلس العسكري بقيادة طنطاوي هو امتداد لنظام مبارك فكلاهما يولي وجهه نحو البيت الأبيض .
3- انتظار الخير من المجلس العسكري هو محض استهزاء بالناس والشعب .

والكلام هنا لمن انتهج السياسة لاستكمال الثورة .. ولمن يريد استكمالها بالضغط الثوري على حد سواء ،
هذه السطور هي استرجاع لأحداث كثير من 28 يناير .. كيف فهمتها ؟ وكيف فهمها كثير ممن أثق بكلامهم وأقنعوني بهذا الفهم ؟
خرجنا يوم 28 يناير في مظاهرات حاشدة وحدثت اشتباكات مع قوات الأمن المركزي وسقط شهداء وجرحى وحدثت الخطة الأمنية لاسقاط الدولة (الانفلات الأمني)

ثم نزل الجيش ...

هتف له الكثيرون الهتاف الذي حفظناه واقتنعنا به رغم مخالفته للوقائع المتتالية " الجيش والشعب ايد واحدة " دق قلبي للمرة الأولى في هذا اليوم من الخوف .. الخوف من مجزرة ستحدث بسبب الجيش .. لم أظن فيه خيرًا طوال ال 15 يوما التالية  .. بل كنت متوقعًا في أي لحظة أن يتدخل بمجزرة يضحون فيها بكل من في التحرير لاسكات الوطن كله ..  وخاصة أننا رأينا منه خيانة في بداية الأحداث وقتل منا الكثير برصاص القوات المسلحة (أقنعونا فيما بعد أنها قوات الحرس الجمهوري وكان ذلك التبرير سببًا في أن يأمن الناس جانب الجيش) .

توالت الأحداث وبدا أن الجيش نزل فقط لحماية المنشئات وربما للمساعدة في الاجهاض على الثورة لو استطاعوا ...

استمر قناصو الداخلية في قتل المتظاهرين اليومين التاليين لنزول الجيش .. وطلبنا من قوات الجيش الحماية فرفضوا بناءًا على أن مسئوليتهم حماية المنشئات فقط .. واستمر الشهداء في السقوط واستمر الجيش في موقفه السلبي حتى تم تغيير وزير الداخلية وأراد محمود وجدي بداية جديدة فتوقف الضرب تماما .

وكانت موقعة الجمل 2فبراير :

جاء الخطاب الفتنة الذي ساهم بشكل كبير في إفراغ الميدان من معتصميه وكان يوم المعركة الكبرى .. وسأركز هنا على دور الجيش ..

-     دخلت الخيول والجمال وراكبوها من بين دبابات ومدرعات الجيش ولم يحرك جندي أو ضابط ساكنًا (لأنه لم تصلهم أوامر بحماية المعتصمين) وكان الدخول الدرامي للخيول والجمال والبلطجية وتغلبنا عليها بفضل الله عز وجل ..

-     بعد عصر اليوم بدأت الموجة الثانية من المعركة بهجوم بلطجية منظم متحد الموعد من جميع مداخل الميدان وانسحبت دبابات القوات المسلحة لتفسح المجال للبلطجية ليستمر الضرب بالحجارة وقطع الرخام متواصلا من عصر ذلك اليوم وحتى العاشرة مساءًا دون تدخل من قوات الجيش ... باستثناء النقيب ماجد بولس الذي حاول ايقاف البلطجية عند مدخل طلعت حرب (وأصبحت لا أشك أنه تصرف فردي) .

-     المشكلة يومها أنه تم احراق أكثر من سيارة من سيارات الجيش من قبل البلطجية وكادت النيران تشتعل في أحد المنازل عند مدخل عبد المنعم رياض ولم يحرك أحدهم ساكنًا على الرغم أن الاتصالات كانت مستمرة والطائرة الهليكوبتر تحلق فوق الميدان .

-     وبدأت الموجة الثالثة بهجوم منتصف الليل على مدخل عبد المنعم رياض وقناصة رمسيس هيلتون يصطادون في الثوار دون تدخل أيضًا من القوات المتمركزة حول المتحف .

الخميس 3فبراير :

انتهت الليلة عند الخامسة صباح الخميس وحاولنا الهدوء بعد صعود دبابة للجيش أعلى كوبري أكتوبر الذي كان يهاجم منه البلطجية .. واستمر الوضع هادئًا وبدأ التوافد من المتظاهرين بعد ليلة دامية ..
-     كان أخي قادما من المنصورة ليشارك في مظاهرات التحرير ورأى أن يحمل بعض الاسعافات الأولية لمساعدتنا في التحرير وإذا به يمر بأغرب سلسلة في تاريخ مصر .. لجان شعبية تسلمه إلى أمن الدولة تسلمه إلى الشرطة العسكرية يحبس 48 ساعة وتسحب بطاقته ثم يصرفونه إلى العودة .
-     عصر هذا اليوم فوجئنا بتحرك الدبابة التي على كوبري عبد المنعم رياض ليبدأ مسلسل الليلة الدامية من جديد ويسقط الشهداء من جديد .. ويبدأ مسلسل رشق الحجارة وقطع الرخام من جديد .

بدأت تمر الأيام يشبه بعضها بعضًا .. مليونيات متتالية ويقين بالنصر يزيد وتحذيرات من التهاون والتراجع وظهرت الكلمة التي حفظناها وللأسف نسيناها بعد التنحي "الشعب الذي يصنع نصف ثورة .. يحفر قبره بيده"

كنا نتناقش كثيرًا حول ماذا بعد التنحي .. اقترحنا اقتراحات كثيرة بين رئيس مجلس القضاء الأعلى .. أو رئيس المحكمة الدستورية العليا .. أو مجلس رئاسي من مجموعة أشخاص تم التوافق على معظمهم في الميدان .. اقتراحات كثيرة لم يكن منها يومًا أن يكون المجلس العسكري ... بل كانت تلك الفكرة مرفوضة نهائيًا وكان الهتاف مصر دولة مدنية مش عسكرية .

رائحة الغدر :
في يوم قبل التنحي "لا أذكر التاريخ بالضبط" كان العدد ليس كبيرا في التحرير بدأت سيارة إطفاء خاصة بالقوات المسلحة بالتحرك من جانب قصر النيل والضابط يشير إليها بالتحرك لداخل الميدان ... وفي نفس التوقيت بدأت دبابات من المتحف المصري التحرك لداخل الميدان .. وهنا تحركنا جميعا وصلينا المغرب أمام الدبابات والسيارات وبدأت مجموعات في المبيت بانتظام تحت عجلات الدبابات في محاولة لمنعها من اختراق الميدان أو تقليل مساحة الاعتصام.

الخميس 10فبراير :

كانت هناك توقعات كبيرة بالتنحي يومها خاصة مع اجتماع المجلس الاعلى للقوات المسلحة يومها للمرة الأولى بدون الرئيس المخلوع ثم أنباء عن خطاب سيتنحى فيه .. ثم صدمة بعد الخطاب وتحركات ثورية ... احباط شديد أصاب الكثيرين منا لكنه إحباط مصحوب بإصرار شديد على المضي والتصعيد .. مجموعات ذهبت إلى ماسبيرو .. ومجموعات تحركت إلى القصر الجمهوري ..

الجمعة 11 فبراير :

كان الحشد غير مسبوق والتصعيد أكثر من أي يوم مضى .. وكان الإصرار على الانتهاء من الأمر هذا اليوم .. اعتصام مفتوح أمام القصر الجمهوري .. واعتصام مفتوح أمام ماسبيرو .. واعتصام مفتوح أمام مجلس الوزراء والبرلمان .. واعتصام غير مسبوق بالتحرير وميادين أخرى على مستوى الجمهورية ...

أدرك العسكر يومها أن الشعب لامحالة منتصر وقرار التنحي لابد أن يكون في ذلك اليوم فكان خطاب عمر سليمان .

لا أدري ما الذي جعلنا ننسى يومها أننا كنا نريد إسقاط النظام .. نسينا أننا نريدها مدنية وليست عسكرية .. وارتفعت الحناجر يومها "الجيش والشعب إيد واحدة" .. لم أستسغ هذا الهتاف يومها .. أحسست أننا نضع الجيش في غير موضعه .. لكن ولأن الاتجاه العام كان هكذا بدأت أقنع نفسي تدريجيًا به ..

ربما لو استمر الاعتصام بعد هذا التاريخ لكنا وصلنا لليبيا أو سوريا قبل أن يكون هناك ليبيا أو سوريا .. فحقن الدماء لم يكن بحلم من المجلس العسكري ولكن لأننا لم نواجه الجيش أصلا .. وعندما بدأت الاحتجاجات تجاه الجيش ظهر الوجه القبيح .

وكأنه يبلع سمًا :

بدأت المرحلة الانتقالية والمؤامرة العسكرية للاستيلاء على السلطة لكن بذكاء مختلف وبطريقة جديدة علينا (قلبت على قديمة في الآخر) .. بدأت المرحلة بتأخر مريب في القرارات التي طالبنا بها .. وكأن طلباتنا بالنسبة إليهم سمًا يجبرون على تجرعه ..

-  يومان لحل مجلسي الشعب والشورى

- مليونيتان لتغيير حكومة شفيق العميلة لنظام المخوع .. بتغييرات غير مقنعة ثم بتغيير الوزارة بالكامل بعد أن طمس كل أدلة الإدانة لمبارك والعادلي في قتل المتظاهرين .

- عدم إلغاء أمن الدولة إلا بعد اقتحام شعبي للمقرات بعد حرق ملفات الإدانة لذلك الجهاز الفاسد .

- عدم التحقيق مع مبارك وأولاده إلا بعد عدة مليونيات ومحاكمات شعبية ..

المهم أن التبريرات كانت جاهزة ليست من المجلس العسكري ولكن للأسف من خبراء دائما كانوا يقولون أن المجلس يحتاج لضغط شعبي لينفذ القرارات وصدقنا للأسف ذلك الكلام .

المحاكمات العسكرية :
وكانت تأكيدات المجلس المستمرة عن أنه لا محاكمات عسكرية للمدانين في أحداث الثورة حفاظًا على المصداقية و أن من حق كل إنسان أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي ..  وأقنعونا وقتها أنه السبيل الوحيد للحصول على أموالنا في الخارج وللأسف صدقنا تلك الحجة التافهة (التوانسة صادروا أموال بن علي كلها وحاكموه عسكريًا وانتهى الأمر) حتى المليارات التي حكم على الوزراء ومبارك بها في عدة قضايا لم يتم تحصيل مليم منها إلى الآن ...

وفجأة أصبحت المحاكمات العسكرية مشروعة لكن في حق المواطنين المصريين بدأت بالخارجين عن القانون ولذلك لم ينتبه لها الكثيرون بل وشجعوها .. حتى خرجت مظاهرات في احدى البلاد تدافع عن ضباط شرطة عسكرية تورطوا في فيديو تعذيب بحجة أن المقبوض عليهم مجرمين .. ثم تطور الأمر وبدأت المحاكمات العسكرية للسياسيين وبدأ بالرموز الشابة .. وتصغير مخ مع بعض الناشطين (مثل مايكل نبيل ) وغباء مع البعض مثل (علاء عبدالفتاح) ..

 نقل السلطة:

حينما حان الموعد تذرع العسكر بالذرائع تلو الذرائع لعدم ترك الحكم وافتعال المشاكل لتطويل أمد الحكم العسكري .. ربما لأن البديل "حبيب أمريكا وإسرائيلي"  مش جاهز أو لن يتقبله الناس ..  واستغل بعض شطحات العلمانيين والليبراليين .. فخرجت أطروحات الجمل ووثيقة السلمي ثم المجلس الاستشاري .. وكلما فشل في تثبيت طرح ما أو لفظه الشعب ومع قرب وجود هيئة منتخبة شعبيا افتعل أزمات متتالية ...

فبعد مليونية رفض الوثيقة .. أشعلت قوات الأمن والشرطة العسكرية ش محمد محمود نارا مستعرة وتورط فيها بعض الفلول للاجهاض على الاستحقاق الانتخابي القادم ...

وبعد الرفض الشعبي للمجلس الاستشاري .. أشعلت الشرطة العسكرية ش مجلس الوزراء بغباء منقطع النظير

ترى ما هي الأزمة القادمة التي يخبئها لنا أولائك الثعابين في المجلس العسكري وخاصة أنهم أيقنوا أنهم على وشك أن يرو مجلس شعب حقيقي ذو أنياب وليس كما كانوا يحلمون بمجلس مهتريء مليء بالخلافات ... الله أعلم

ليست هناك تعليقات: